العيد الوطني الربعين المجيد

الثامن عشر من نوفمبر من كل عام.. يوم وطني مجيد وعيد سعيد لكل مواطن عماني على أرض عمان الطيبة وكذلك هو الحال لمن هم ليسوا على أرضها ولكنهم ولدوا وترعرعوا على أرضها وانغرسوا بجذور في أعماق تربتها يشدهم بذلك ولائهم وانتمائهم لمسقط رأسهم ووطنهم الأم والذي يسري حبه في الشرايين ليغذي العقل والقلب معاً ..ولكن شاءت الظروف بأن يكونوا بعيداً عنها لفترة من الزمن للدراسة أو العلاج أو العمل أو غيرها من الأسباب التي أرغمتهم على الإبتعاد المؤقت سواء كان قصيراً أم طويلاً. كنت أنا واحده من هؤلاء والذين رمت بهم الأقدار بعيداً وبعيداً جداً نحو الغرب عابرة بذلك القارات والمحيطات والبحار والأنهار والصحاري لأجد نفسي في مكان يسمى ببلد الحرية...
غادرت أرض وطني ولأول مرة بالطائرة ليلاً ..آثرت بأن أكون بقرب النافذة لأرى وطني من أعلى. لم أشعر بخوف الإرتفاع ولا بصوت وحركة الطائرة والذي كنت قد حسبت له ألف وألف حساب ناهيك عن الوساوس التي كنت قد نسجتها حول سقوط الطائرات!!كل ذلك تبخر بمجرد مشاهدتي عبر النافذة لذلك المنظر الأخاذ والذي لايزال وسيظل منطبعاً في ذاكرتي ومخيلتي بل وبقلبي ما حييت. كانت مسقط من أعلى أكثر جمالاً وأشد جاذبية. من فوق كانت الأضواء ترصعها كعروس مزينة بالألماس والذهب..كنت منبهرة لروعة ما أرى كنت في حالة تخدير استمر لدي حتى اختفت شيئاً فشيئاً ونحن نحلق بعيداً إلى الأعلى لنختفي بين السحاب..وفجأة عدت لحالتي الطبيعية وشعرت بغصة في حلقي ورغبة شديدة في البكاء مع العلم بأنني لم أبك وأنا أودع أهلي لأنني كنت بغاية السعادة ..كيف لا وأنا ذاهبة لبلاد الأحلام !!!ولكنني أحسست وكأنني اقتلعت من جذوري ومن تربتي ...بعدها راودني الشعور بالخوف وكل ما كنت قد هيأت نفسي به فأخذت أسأل زميلتي ورفيقة سفري والتي تجلس بجانبي عن كل شئ سنمر به خلال الرحلة وبالتفصيل. لا أدري إما هروبا من تلك المشاعر أو تمضية للوقت أو حبي لمعرفة المجهول .
مررنا بمطار أبوظبي ومن ثم هيثرو..وما أدراك ما هيثرو ! عشت في السوق الحرة للمطار طوال الخمس ساعات كنت أقلب بصري والمفروض أن أكون قمة في السعادة وأنا بين الشركات العالمية ولكن سعادتي كانت مصحوبة بشئ يمكن أن أطلق عليه الاشعور أو ربما لاتزال تلك الغصة موجودة وتنتظر أي لحظة لتفريغ ذلك الاشعور!! لم أكن كواحدة ممن يتمتعون بكل لحظة بعيداً عن الوطن بحجة التغيير والترفيه والإستمتاع بشئ لا يوجد في وطننا!!! ولكن قناعتي الأكيدة وليس مجاملة أو مجرد كلمات أصوغها لأنتقي أروع التعابير في حب الوطن بل كانت ترجمة ما يمليه علي قلبي وعقلي لأجسده حروفاً ومعانٍ نابعة من أعماق وصميم قلبي وأظن بل لمست ذلك بنفسي بأن المغتربون جميعاً يشعرون بهذا الشعور بل ربما أكثر ليتدفق حبهم ويفيض كل حسب شخصيته . بعضهم ومن يمتلك ملكة الكتابة يسطرها قلمهم خواطرو أشعار وبعضهم تتفنن ريشتهم برسمها لوحة كل حسب ما وهبه الله من مواهب .
نعود لأحداث رحلتي والتي كان الجزء الأخير منها بعبور المحيط الأطلسي وقبل نزول الطائرة ظلت تحلق بنا طويلاً لم أكن أستوعب ما يجري حولي إلا عندما فتحت شاشة الإرشادات والتي توضح خط سير رحلة الطائرة فرأيت أننا لا نزال نحوم أعلى المطار.فبسرعة البرق وبدون أي مقدمات راودتني تلك الأفكار السوداء حول سقوط الطائرة وكنت قد تيقنت بذلك! آآآه سأموت بعيداً عن أهلي ووطني!! هذا آخر ما أتمناه في حياتي!! لا لا !! وزميلتي تهدئ من روعي دون جدوى بكيت نعم بكيت ..ربما كان هذا هو الاشعور الذي أنقصني فرحتي بهذه الرحلة .. ولكن ..وبعد مضي ثلث ساعة تقريباً عرفت وبحكم دراستي للغة هؤلاء القوم بأنهم لم يجدوا مكاناً للهبوط .ولكن هيهات أن أصدق تلك الكذبة البيضاء والتي ستؤول لقصة سوداء بسقوطنا!!.ذلك ما كان يعشش بدماغي الملئ بقصص الأفلام وأخبار الحوادث ولا يستطيع أي أحد أن يغيرها مهما حاول... واسألوا زميلتي!!
الحمدلله نزلنا بسلام وأنا لا أزال أقرأ كل ما أحفظه من أدعية وأذكار وآيات لتحفظنا وأصل بسلام لأختي التي تنتظرني بفارغ الصبر بالرغم من حالتها الصحية والتي كانت سبباً لمجيئي لهذه البلاد !! شكرت الله كثيراً وهاأنا أقف في طابور طويل لتفتيش مشدد جدا لكل ماهو صغير وكبير في حقائبنا الثقيلة جداً والمحملة بكل مايمكن أن تتخيلوه أو لاتتخيلوه شأننا نحن العرب عندما نعيش في بلاد الغرب ...كانت أمي قد بعثت لأختي بعض الأعشاب الطبية !!!! وأوصتني أمي بقراءة " وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم وهم لايبصرون" لأنها أنجت رسولنا الكريم.. بعد أن أكدت لها أختي بأنهم سيصادرونها أثناء التفتيش المشدد...وعملت بنصيحة أمي ولم أتوقع أثر تلك الآية الكريمة وحسن نية أمي في صدهم عن حقيبتي ومرورها أمامهم مرور الكرام سبحان الله والحمدلله
..ركبنا سيارة أحد الطلبة العمانيين والذي كان ينتظرنا ليقلنا للفندق ..وأنا أقلب بصري وأقرأ لوحات الترحيب وأن فيلادلفيا " الجبنة"..أقصد الولاية تتمنى لهم إقامة طيبة ولكنني كنت صامتة جامدة المشاعر..وصلت الفندق لأجد أختي تنتظرني على أحر من الجمربصحبة كل الطلبة والطالبات العمانيات في الفندق وشعرت نوعاً ما بالفرح لأسمع عبارات الترحيب وكأنني بعمان! كانوا قد أعدوا لي ولزميلتي مأدبة عشاء تحت شرفي كوني كنت الضيفة بينهم وزميلتي كانت واحدة منهن عائدة من إجازتها الصيفية لتكمل دراستها هنا في الولايات الأمريكية..
كل ذلك وكأنني في حلم نسجته من وحي خيالي الخصب والواسع والبعيد المدى.. بعد تلك السهرة توجهت كل واحدة للنوم بعد أن قاربت الساعة على الواحدة فجراً...وأي نوم هذا ؟وأي عين سيغمض لها جفن؟ وأي وأي ...
مر شهرين على قدومي ...وهاهو العيد الوطني قد أتى.. علقت علم عمان على باب شقتنا كبادرة مني في الشعور ولو بشئ بسيط جدا أعتز به و بهويتي العمانية وولائي لوطني من بعيد... زميلتي مشغولة جداً بجهاز الحاسب الآلي وغاصت في عالم الشبكة العالمية لتنتقل وعلى الهواء مباشرة بالعرض العسكري والذي "زوجها" واحد من أولئك البواسل المدافعين عن أرض الوطن يعبرون عن ولائهم للقائد وللوطن بذلك العرض والذي تابعته وهي تشير لنا " هذا هو..." أنظروا وتقرب الصوره أكثر وأكثر ولكنها تزداد عدم وضوحاً!!ولكنها كانت في غاية السعادة وهي من أرض السعادة بجنوب عمان! رغم تعبها وإرهاقها وسهرها طوال الليل وحتى الفجر للإنتهاء من كتابة بحثها لكي تتفرغ للعرض العسكري..
.تابعت هي ذلك وأنا هائمة بفكري كالعادة بعيداً لأسافر به هذه المرة لعمان ليمر شريط ذكرياتي بأول عيد وطني شاركت به وأنا في المرحلة الإبتدائية حيث كنت من ضمن الحركة الكشفية أو بالأحرى مجرد زهرة صغيرة شاركت في مسيرة طويلة سيراً على الأقدام وتحت أشعة الشمس رغم الجوع والعطش إلا أنني كنت في قمة السرور ومشاعري كانت تشع من عيني خاصة وأنني كنت في مقدمة الصف أهتف بحب عمان والقائد ممسكة بعلم بلادي ليرفرف خفاقاً عالياً دائماً...ثم عرض شريط ذكرياتي وأنا بالمرحلة الإعدادية لأتذكر بأنني أشارك بعيد وطني بعزف أغنية وطنية لعمان غناء أختي !! ومن ثم المرحلة الثانوية لأتذكر بأنني شاركت بقصيدة شعرية كانت من إلقاء أختي الصغرى ...ولايزال الشريط يذكرني بمرحلة الجامعة ومشاركتي بأوبريت خاص بالطالبات فقط والذي تنظمه بلدية مسقط بالتعاون مع الجامعة ويستمر مسلسل الذكريات ليعرض أجمل وأحلى عيد وطني مر علي والذي احتضنته صور العفية وتشرفت بقدوم ابن عمان البار جلالةالسلطان المفدى حفظه الله ورعاه ...
آآآه وفجأه انقطع الشريط وياليته لم ينقطع لأنني عشت أحلى الأيام في لحظه.... لأعود لأرض الواقع لأرضى به بحلوه ومره وأجد نفسي بعيده عن وطني في يومها الوطني ولسان حالي يلهج بحب عمان وحب قائدنا المغوار وليس بيدي أي حيلة سوى القول " عشتي يا نبع الحنان...عشتي يا رمز الأمان ..التهاني والأماني....لك قابوس عمان "... وكل عام وعمان بقائدها وأهلها في أمان وسلام وليحفظها الله تعالى من كل شر وضر..ولا شئ أغلى من تراب الوطن.. .ولاشئ أروع وأرقى من مشاعر الولاء والإنتماء للوطن...
فكلنا للوطن...وكلنا عمان
وعاش لنا جلالة السلطان
ان شاء الله اعجبكم Surprised